ميراث المرأة بين الشرع والمجتمع والقضاء


ميراث المرأة بين الشرع والمجتمع والقضاء

 

قضايا المرأة عقدٌ منتظم إثارة أحدها ينثر جميعها على طاولة النقاش، فعندما تطرح قضية حرمان المرأة ما قرره الشرع لها من الميراث أو استلاب بعضه يجر ذلك إلى تأمل جميع قضاياها لسبر الأسباب التي تجعل من حقوق المرأة قضية يثور حولها اللغط والجدال.

لا يملك أحد أن ينكر ماقرره الشرع للمرأة من حق في مال من يتوفى من أقربائها ذكوراً وإناثاً حسب قواعد نظام التوريث الإسلامي.

كما لا يملك أن ينكر الكثير من الحقوق التي أجراها الشرع لها من نفقة، ومهر، وذمة مالية مستقلة، ومعاشرة بالمعروف ......

نظرياً لا توجد مشكلة، تكمن المشكلة في الواقع الاجتماعي الذي يستقر في حسه فصل بين النظرية والتطبيق، وتقف في كواليسه كثير من العادات والتقاليد الموروثة وأحياناً الأهواء التي تتشبث بالشرع عندما يكون في صفها ولا تأبه له عندما يسير في غير ما تشتهي، وبين هذا وذاك تميع الحقوق، وتتفرق الطرق.

كثير من الأصوات التي بُحت وهي تطالب بحقوق المرأة تلقي بالتبعة على شماعة الشرع دون أن تلتفت إلى سلسلة القضايا التي قلب المجتمع حالها، وتقرر تلك الأصوات الحل في إلزام الشرع بمسايرة تلك الأوضاع المقلوبة بدعوى ضرورة تطوير المفاهيم الفقهية وفق المفاهيم العصرية القائمة ولا يدرون أنهم يزيدون قضايا المرأة تعقيداً ويعسرون أمامها سبل الوصول إلى حلٍ يحل عقدها.

فمثلاً يُركز في مسائل توريث المرأة على كونها ترث نصف الذكر، ويعتبر الكثير في ذلك إجحاف بالمرأة وانتقاص لها، ويرون الحق في مساواتها بالرجل سيما وأن الواقع القائم يلقي بكثيرٍ من التبعات المالية على المرأة.

وفي الطرف الآخر هناك من يرى في هذا التوجه ظلم للشرع الذي بنى قواعده على مراعاة حجم المسئوليات المالية والتي يتحمل منها الرجل أضعاف ما تتحمله المرأة.

ولا تقنع هذه العلل المطالبين بالمساواة الذين يشهدون في الواقع القائم كثرة التبعات الملقاة على كاهل المرأة حتى غدا الرجل في غالب الأحوال ضيف شرف على أسرة مؤسسة نسوياً من ألفها إلى يائها.

وهؤلاء رغم نظرتهم الواقعية إلاّ أنهم بنوها على الوضع المعوج والمقلوب للأحكام الشرعية في السلوك الاجتماعي وهنا تستقر المعضلة في جميع قضايا المرأة التي يكاد يستعصي حلها.

لأننا حينما نجري للمرأة نصف ميراث قريبها الذكر المساوي في درجة قربها من الميت كما هو الشرع، يتحتم أيضاً أن نتمسك بالعلة التي من أجلها تقرر ذلك النظام فنطالب الرجل بالإنفاق على زوجته وأولاده النفقة اللائقة، ليس ذلك فحسب بل والإنفاق على من احتاجت من قريباته اللاتي يلزمه الشرع بالإنفاق عليهن، ولا يقف الأمر عند ذلك بل يتحتم أيضاً تقرير الضمانات الفعلية والعملية لإجراء تلك الحقوق(المنسية) وتيسير أسبابها عند المطالبة.

سيظل شعور المرأة بالظلم قائماً إذا كان واقعها لايفتأ يذكرها به، وطالما ظلت ترى الواجبات تتقلص في حق الرجل لتلقى في كفة ميزانها.

دائماً هناك تفرقة اجتماعية ماأنزل الله بها من سلطان بين مواقف المرأة والرجل، ففي حين يشنّع المجتمع مطالبة المرأة بحقوقها، ويجرّم لجوؤها إلى القضاء، يتسامح تجاه ذات الموقف من الرجل فلا يرى بأساً في مطالبته حتى لو استعدى بالقضاء،أو أوقف جيشاً من الشرطة على باب المرأة وذويها.

وإذا لجأت المرأة للقضاء فإن نظرة القضاة إليها تقف حجر عثرة أمام قدرتها على إيضاح أبعاد قضيتها، إذ أن كثيراً منهم يبدي تبرماً تجاه كلام المرأة أمامه ،وبعضهم يطالبها بإحضار المدعى عليه بنفسها مما يجعل الكثيرات يترددن في اللجؤ إلى القضاء تجنباً لما قد تلقاه من عناء نفسي واجتماعي، وقد تلجأ إلى المحامين الذين إذا اثبتوا لها شيئاً بعد سنين طويلة لم يبقوا منه شيئاً مقابل الأتعاب الباهظة.

وهكذا ترجع تعقيدات قضايا المرأة إلى سببين رئيسيين(قوانين المجتمع، والقضاء)

أما قوانين المجتمع المجحفة يتطلب تحطيمها تكثيف الوعي والتذكير الدائم بحقوق النساء، وتشنيع الاعتداء عليها، وتجريم فاعل ذلك، والتذكير بالوعيد الذي يلحق مستلبها والمقصّر فيها عن طريق التربية، والمقررات الدراسية، وخطب المساجد، وجميع وسائل الإعلام.

وأما القضاء فعليه أن ييسر السبل أمام النساء اللاتي أُُجبرن على اللجؤ إليه، وأن يقرر من الإجراءات الفعلية ما يضمن وصولهنّ إلى حقوقهن وتيسير ذلك مع تذكير ذويهنّ بما أوجبه الله عليهم تجاههنّ من واجب الحفظ والإعالة.

 

 

نشر في ملحق الرسالة من جريدة المدينة بتاريخ 2/11/1429هـ  

 


آخر تحديث
11/2/2008 4:32:17 PM